中文 English الاتصال بنا الأرباط المعنية
   صفحة رئيسية  > الأخبار
(نص كامل ) خطاب سعادة السفير قاو يوشنغ سفير جمهورية الصين الشعبية في كلية الدفاع الوطني الملكية الأردنية )
2014-03-17 16:08
 

سعادة العميد طلال محمد بني ملحم آمر كلية الدفاع الوطني الملكية الأردنية،

أيها الأصدقاء والحضور الكرام،

يسعدني اليوم كثيرا أن ألتقي معكم في كلية الدفاع الوطني الملكية التي يشار اليها بالبنان في الأردن والمنطقة كمؤسسة تعليمية رفيعة المستوى تربي كفاءات متفوقة في مجال الاستراتيجية الدفاعية. فأتمنى من صميم قلبي أن تحقق كليتكم مزيدا من التطور والإنجاز، والآن يطيب لى أن أقدم لكم ملخصا عن السياسات الصينية الخاصة بالتنمية والدبلوماسية والدفاع الوطني.

منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية قبل أكثر من 60 عاما وخاصة بعد تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح قبل 35 عاما ظلت الصين تسعى الى إيجاد طريق للتحديث الاشتراكي تتناسب مع ظروفها الوطنية ومتطلبات العصر. وبالرغم من الصعوبات الجمة، بذل الشعب الصيني جهودا لا تعرف الكلل والملل وبعزم وإصرار في سبيل دفع الاستكمال والتطوير الذاتي للنظام الاشتراكي من خلال استخلاص العبر من تجربته التنموية الذاتية والاستفادة من تجارب الدول الاخرى، فوجد أخيرا طريقا تنموية تتفق مع ظروفها الخاصة، ونسميها الطريق الاشتراكية ذات الخصائص الصينية. وقطع الشعب الصيني تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني أشواطا متقدمة في هذه الطريق وحقق منجزات عظيمة تلفت أنظار العالم.

وكانت الصين قد وضعت في نهاية السبعينات للقرن الماضي استراتيجية تنموية ذات ثلاث خطوات، كانت الخطوة الأولى تتمثل في مضاعفة إجمالي الناتج القومي على أساسه في سنة 1980 خلال العشر سنوات الأولى وتتمثل الخطوة الثانية في تحقيق مضاعفة جديدة على أساس المضاعفة الأولى لإجمالي الناتج القومي خلال العشر سنوات الثانية أي في نهاية القرن الماضي وتقضي الخطوة الثالثة برفع متوسط الفرد من إجمالي الناتج القومي الى مستوى الدول متوسطة التقدم بحلول الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية وقد تحققت الخطوتان الأولى والثانية حيث تضاعف إجمالي الناتج المحلي من 210 مليار دولار في سنة 1978 بداية عملية الإصلاح والانفتاح الى حوالي 1000 مليار دولار في سنة 2000 ثم وصل هذا الرقم الى 8360 مليار دولار في سنة 2012 أي ازداد خلال 12 سنة ثمانية أضعاف لما هو في سنة 2000 حيث تجاوز حجم الاقتصاد الصيني اليابان وألمانيا ليصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم كما تجاوز أمريكا من حيث حجم التجارة في السنة الماضية لتصبح أكبر دولة تجارية في العالم. وتحدوني ثقة بأنه بهذه السرعة والجودة ستتمكن الصين من تحقيق الخطوة الثالثة للالتحاق بمستوى الدول المتقدمة في التنمية الاقتصادية.

غير أن هذا التطور السريع والمطرد لمدة 30 سنة متتالية على نحو لا سابق له في التاريخ أثار بعض المخاوف لدى بعض الدول في العالم من احتمال سعى الصين الى الهيمنة. فأريد هنا أن أطمن الجميع أن ذلك لن يحدث، أولا لأن النهضة الصينية لم تتحقق على أساس سلب ونهب موارد وأموال الغير من خلال الغزوات والحروب الجائرة مثل ما فعلته بعض الدول الغربية في عهد الاستعمار. ثانيا أن روح الثقافة الصينية التى تتجسد في تغليب التصالح وطلب القاسم المشترك من بين الاختلافات لم تعلم الشعب الصيني أمثال نزعة الهيمنة واستئساد الغير، عليه فإن الطريق الاشتراكية ذات الخصائص الصينية لما تنعكس على السياسة الخارجية تتجسد في المثابرة على السير في طريق التنمية السلمية، وبالنسبة للسياسة الصينية للتنمية السلمية أود أن أساعدكم على فهمها من خلال ثلاث كلمات مفصلية إلا وهي السلام والتعاون والكسب للكل.

أولا: السلام. إن الشعب الصيني شعب محب للسلام. ويدرك الشعب الصيني الذي عانى من ويلات الحروب ووطأة الفقر في العصر الحديث يدرك قيمة السلام وأهمية التنمية. ويؤمن الشعب الصيني بأن السلام هو السبيل الوحيد لتحقيق الرخاء والطمأنينة، وإن التنمية هي الطريق الوحيدة المؤدية الى الازدهار والعيش الكريم للشعوب. لذا، فإن خلق بيئة سلمية ومستقرة للتنمية يمثل الأولوية الأولى للدبلوماسية الصينية. وفي الوقت نفسه، تعمل الصين على أداء واجبها للمساهمة في تحقيق السلام والتنمية في العالم، ولن تشارك في العدوان أو التوسع، ولن تسعى أبدا الى الهيمنة، وستظل قوة ثابتة لحماية السلام والاستقرار إقليميا ودوليا.

ثانيا: التعاون. يوجد في المحافل الدولية دائما التنافس والتناقض. ويجب على دول العالم تحقيق التكامل من خلال المنافسة الرشيدة، والبحث باستمرار عن فرص لتوسيع مجالات التعاون وتطوير المصالح المشتركة. وتتمسك الصين بالسعي الى تحقيق السلام من خلال التعاون ودعم التنمية بالتعاون وتذويب الخلافات عبر التعاون، وتعمل على إقامة وتطوير علاقات التعاون بأشكاله المختلفة مع الدول الأخرى، وبذل جهود مشتركة لمواجهة التحديات العالمية المتزايدة من خلال توسيع التعاون المتبادل المنفعة مع الدول الأخرى، وحل القضايا الهامة التى تؤثر على التنمية الاقتصادية في العالم وبقاء البشرية وتقدمها.

ثالثا: الكسب للكل. يزداد في هذا العصر الاعتماد المتبادل بين دول العالم يوما بعد يوم، فإن تحقيق التنمية المشتركة وتقاسم ثمار التنمية على نطاق أوسع هو الذى يوفر أساسا متينا وضمانا فعالا للسلام والاستقرار في العالم، يحقق التنمية المستدامة لدول العالم. لذلك، فتلتزم الصين باستراتيجية الانفتاح المبنية على المنفعة المتبادلة والكسب للكل، وتتمسك بتوافق مصلحتها الذاتية مع المصالح المشتركة للبشرية جمعاء، وتعمل على تحقيق التفاعل الإيجابي مع الدول الأخرى بما يعزز التنمية المشتركة لجميع الدول في نفس الوقت الذي تسعى الى تحقيق التنمية الذاتية.

إن تمسك الصين بطريق التنمية السلمية قرر من الأساس أن تكون سياستها للدفاع الوطني متسمة بالطابع الدفاعي. فتملك الصين الأراضي مترامية الأطراف والمياه الإقليمية الشاسعة حيث تمتد حدودها البرية لأكثر من 22 ألف كيلو متر والبحرية لأكثر من 18 ألف كيلومتر بما يجعلها تواجه تحديات تقليدية وغير تقليدية بأشكالها المتنوعة والمعقدة كما تواجه تهديدات القوى الانفصالية والإرهابية. ولذلك من الضرورة بمكان أن تعمل الصين على دفع عجلة تحديث الدفاع الوطني من أجل صيانة الأمن القومي وضمان التنمية السلمية، ويستهدف تحديث الدفاع الوطني في الأساس حماية سيادة الدولة وأمنها وسلامة أراضيها والدفاع عن المصالح الوطنية للتنمية. وإن الإنفاق الصيني للدفاع الوطني ظل يحتفظ بمستوى معقول ومناسب يتواكب مع متطلبات حماية الأمن القومي. وفي السنوات الأخيرة احتل الإنفاق الصيني للدفاع الوطني نسبة 1.4% فقط من إجمالي الناتج المحلي، أما في معظم الدول الكبرى للعالم غالبا ما يحتل إنفاق الدفاع الوطني نسبة ما بين 2-4% من إجمالي الناتج المحلي. ولن تسعى الصين ولا في نيتها أن تدخل في سباق تسلح مع أي دولة ولن تشكل تهديدا عسكريا لأي دولة، وأنما على عكس ذلك تسعى الصين الى تسوية النزاعات الدولية وقضايا البؤرة الساخنة في العالم بطرق سياسية وسلمية كما أن الصين هي الدولة النووية الوحيدة في العالم التى أعلنت عن التزامها بعدم المبادرة باستخدام السلاح النووي وخاصة عدم استخدام السلاح النووي أو التهديد باستخدامه ضد أي دولة غير نووية أو منطقة منزوعة من الأسلحة النووية.

في يوم 13 نوفمبر سنة 2013 أعلنت وزارة الدفاع الصينية عن إنشاء منطقة تمييز الهوية للدفاع الجوي في أجواء البحر الشرقي. وتعتبر منطقة تمييز الهوية نطاقا جويا تحددها الدول المطلة على البحرخارج أجواءها الإقليمية تحسبا لتهديدات جوية محتملة، فتستخدم للكشف المبكر عن مركبات جوية في داخلها ومراقبتها وتقويمها بما يوفروقتا كافيا للإنذار المبكر لحماية الأمن الجوي. وإن منطقة تمييز الهوية للدفاع الجوي التي حددتها الحكومة الصينية في أجواء البحر الشرقي تستند الى الأسس القانونية وتتماشى مع الأعراف الدولية في هذا المجال ونستهدف من خلالها صيانة سيادة الدولة وأمن وسلامة أراضيها وأجواءها وحماية نظام الطيران الجوي، وهي إجراء لازم لممارسة حق الدفاع الذاتي لا يستهدف دولة بعينها وهدفا بعينه كما لا يؤثر على حرية العبور للأجواء المعنية ولا يغير الطابع القانوني للأجواء المعنية وإن جميع أعمال الطيران الطبيعية للرحلات الدولية في هذه المنطقة لن تتأثر بأي شكل من الاشكال.

كما تهتم الصين بالتبادل العسكري الدولي وتعمل على تعزيز التعاون الأمني على الصعيدين الإقليمي والدولي. فقد أقامت الصين حتى الآن علاقات التبادل العسكري مع أكثر من 150 دولة وأنشأت آليات المشاورات والحوارات الخاصة بالأمن والدفاع مع 22 دولة. ومنذ سنة 2002 شاركت الصين في 28 مناورة مشتركة و34 تدريبا مشتركا مع 31 دولة طبقا للاتفاقيات المعنية وتشمل جهات التعاون القارات الخمسة في العالم. كما تشارك الصين بصورة إيجابية في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة فقد أرسلت بالتراكم حوالى 21 ألف من رجال التخصصات المختلفة في 30 عملية لحفظ السلام الموكل من قبل الأمم المتحدة ولحد الآن ما زال هناك 1842 جنديا وضابطا ينفذون مهام حفظ السلام في تسع مناطق للعمليات التابعة للأمم المتحدة فتعتبر الصين دولة أكثر مساهمة في إرسال رجال حفظ السلام فيما بين الدول دائمة العضوية الخمسة لمجلس الأمن ودولة أكثر مساهمة في إرسال الفرقاء اللوجيستية للهندسة والنقل والعلاج الطبي من بين 115 دولة مساهمة في عمليات حفظ السلام بالأفراد، وكذلك دولة أكثر مساهمة في تسديد نفقات حفظ السلام فيما بين الدول النامية.

وفي نفس الوقت تشارك الصين بصورة إيجابية في التعاون الدولي في مجالي مكافحة الإرهاب ومنع الانتشار وترسل أساطيل بحرية لحماية الملاحة الى مياه خليج عدن والصومال من أجل مكافحة القرصنة البحرية كما تقدم مساعدات إنسانية وفرق إنقاذ الى دول تتعرض للكوارث الطبيعية الجسيمة.

منذ نهاية سنة 2008 أرسلت الصين بالتراكم أكثر من 40 سفينة حربية في 16 دفعة الى مياه خليج عدن والصومال لتنفيذ مهام حماية الملاحة حيث قدمت الحماية الأمنية لأكثر من 5000 سفينة صينية وغير صينية. ومنذ سنة 2002 قام الجيش الصيني بتنفيذ 36 مهمة إنقاذ إنسانية دولية عاجلة ونقل ما قدره 200 مليون دولار من عينات الإنقاذ والمساعدة الى 27 دولة منكوبة.

إن التنمية السلمية هي طريق تنموية جديدة تلمستها الصين باعتبارها أكبر الدول النامية في العالم. قد أثبتت وستثبت هذه الطريق بما فيه المزيد مغزاها العالمي مع مرور الزمن. ويتطلب نجاح هذه الطريق جهودا دؤوبة من الشعب الصيني والتفهم والدعم من المجتمع الدولي.

وقد كسرت طريق التنمية السلمية في الصين النمط التقليدي الذي سارت عليه القوى الصاعدة ويتمثل في أن تمارس الهيمنة عندما تصبح قوية. في تاريخنا الحديث، حققت بعض القوى الصاعدة نهوضها من خلال الاستعمار والصراع على مناطق النفوذ والتوسع بالقوة العسكرية، وذلك وصل الى ذروته في القرن ال20، حيث زجت المنافسة على الهيمنة والمواجهات العسكرية بالبشرية الى أتون الحربين العالميتين. أما الصين فاختارت بكل جدية التنمية السلمية والتعاون والكسب المشترك كالطريقة الأساسية لتحقيق التحديث والمشاركة في الشؤون الدولية ومعالجة العلاقات الدولية، انطلاقا من تاريخها وثقافتها التي امتدت لآلاف السنين، وإدراكها لطبيعة العولمة الاقتصادية وتغيرات العلاقات الدولية ومعادلة الأمن الدولية في القرن ال21 والمصالح والقيم المشتركة للبشرية كلها. لقد أثبتت تجاربها خلال العقود الماضية أن الصين أختارت طريقا صحيحة، فيجب ألا نغير هذه الطريق.

في عالمنا اليوم الذي يشهد تغيرات هائلة، تخضع جميع المذاهب والنظم والأنماط والطرق لاختبارات الزمن والتطبيق. وعلى خلفية تباين الظروف الوطنية في مختلف البلدان، لا يوجد النمط التنموي الافضل أو الأنفع أو النمط الصالح للجميع، بل يوجد فقط النمط الاكثر مواءمة للظروف الوطنية. وإن الطريق التنموية الصينية إنما نشأت من ظروفها الوطنية وضربت جذورها فيها. وتعي الصين جيدا أهمية التنمية السلمية وضرورة التمسك بها لمدة طويلة، وتعي أيضا التغيرات العميقة والمعقدة التي طرأت على بيئتها الوطنية والدولية، عليه، فستولي الصين اهتماما أكبر لاستخلاص واستغلال تجاربها الناجحة والاستفادة من التجارب الصالحة للبلدان الأخرى ودراسة المشاكل والتحديات الجديدة التي تعترض طريقها الى الأمام، بما يفتح آفاقا أرحب للتنمية السلمية.

إن التنمية الصينية لا يمكن أن تتطور بمعزل عن العالم، ولا يستطيع العالم أن يحقق الاستقرار والازدهار بدون الصين.

عندما نستعرض الماضي ونستشرف المستقبل، نؤمن بأن الصين التي يسودها الازدهار والتنمية وسيادة القانون والانسجام والاستقرار، ستقدم بالتأكيد مساهمة اكبر للعالم. وإن الشعب الصيني على استعداد لبذل جهود دؤوبة ومشتركة مع شعوب العالم لخلق مستقبل أفضل للبشرية كلها.

أخبر صديقك
  إطبع هذه الورقة