中文 English الاتصال بنا الأرباط المعنية
   صفحة رئيسية  > الأخبار
فرصة تاريخية للشراكة الصينية الأردنية في بناء "الحزام والطريق"
2015-05-05 14:54

قبل أكثر من 2000 سنة، استكشفت الشعوب المجدة والشجاعة في القارة الأور-آسيوية، العديد من طرق التبادل التجاري والإنساني، والتي ربطت بين الحضارات الآسيوية والأوروبية والأفريقية الكبرى. وأطلقت الأجيال اللاحقة على تلك الطرق اسما جامعا، ألا وهو "طريق الحرير".

وعلى مر السنوات الطوال، تم توارث روح "طريق الحرير"، المتمثلة في "السلام والتعاون، والانفتاح والتسامح، والتعلم المتبادل والاستفادة المتبادلة، والمنفعة المتبادلة والكسب للكل"، ما دفع تقدم الحضارة البشرية بأسرها. وبعد الدخول إلى القرن الحادي والعشرين، الذي يشهد عصرا جديدا يتخذ عنوانا رئيسا بالسلام والتنمية والتعاون والكسب للكل، تتضح بشكل أكبر أهمية وقيمة توريث روح "طريق الحرير" والارتقاء بها، لمواجهة وضع الاقتصاد العالمي الراكد، والأوضاع الدولية والإقليمية المعقدة.

ومن أجل دفع التعاون في شتى المجالات بين الصين والدول الواقعة على "طريق الحرير" إلى حد أبعد، وتحقيق الازدهار والتنمية المشتركين، طرح الرئيس الصيني شي جينبينغ مبادرة التشارك في بناء "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير"، و"طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين" (يشار إليهما اختصارا بـ"الحزام والطريق")، في العام 2013.

إن مبادرة "الحزام والطريق" التي تغطي قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا والبحار المحيطة، تتخذ من التعاون الاقتصادي الأساس والمحور، والتواصل الإنساني والثقافي كدعامة رئيسة. وتلتزم هذه المبادرة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، كما لا تسعى وراء انتزاع الدور القيادي في الشؤون الإقليمية أو تحديد نطاق النفوذ في المنطقة. ومضمونها الرئيس يتمثل في خمس نقاط، تبرز التعاون العملي القائم على المشاريع الملموسة، وهي:

1. تناسق السياسات. إذ يمكن لمختلف الدول إجراء التواصل الوافي حول الاستراتيجيات والسياسات الخاصة بالتنمية الاقتصادية، بحيث يتحقق الالتحام العضوي بين هذه الاستراتيجيات على أساس مبدأ "إبراز المشترك مع تعتيم المختلف عليه"، ورسم الخطط والإجراءات للتعاون الإقليمي عبر التشاور، بما يعطي "الضوء الأخضر" من حيث السياسات والقوانين أمام الإندماج الاقتصادي الإقليمي.

2. ترابط البنى التحتية. فالصين والدول ذات الصلة، بحاجة إلى التباحث الإيجابي بشأن تحسين البنى الأساسية العابرة للحدود في مجال المرور، واتخاذ خطوات تدريجية لتكوين شبكة نقل ومواصلات تربط مختلف المناطق دون الإقليمية في آسيا، كما تربط آسيا بأوروبا وأفريقيا، بما يعالج مسائل عدم الترابط أو الترابط دون التمرير، أو التمرير دون الانسياب.

3. تواصل الأعمال التجارية. فالتباحث في سبل تسهيل التجارة والاستثمار، ووضع ترتيبات ملائمة، يساعدان على إزالة الحواجز التجارية والاستثمارية، ودفع عجلة الدورة الاقتصادية الإقليمية لزيادة سرعتها وتقليص مدتها. وبما يطلق بشكل كامل الإمكانات الكامنة للدول الواقعة في "الحزام" في مجالات التجارة والاستثمار، وتوسيع "كعكة التعاون".

4. تداول الأموال. وذلك بالعمل على تحقيق المقاصة بالعملات المحلية وتبادل العملات، وتعزيز التعاون النقدي الثنائي والمتعدد الأطراف، وإنشاء مؤسسات مالية للتنمية الإقليمية، وخفض تكاليف المعاملات، وبالتالي تعزيز القدرة على مواجهة المخاطر المالية من خلال الترتيبات الإقليمية، وتعزيز القدرة التنافسية لاقتصاد المنطقة ككل على الساحة الدولية.

5. تفاهم الشعوب. إن الصين والدول ذات الصلة، بحاجة إلى توطيد القاعدة الشعبية للعلاقات الرسمية، وتعزيز التواصل والتحاور بين مختلف الحضارات، وزيادة التبادل الودي بين شعوب الدول، وخاصة على مستوى الفئات المجتمعية الأساسية، بما يعزز الفهم المتبادل والصداقة التقليدية فيما بينها.

وبما أن الدول العربية شريكة طبيعية ومهمة للصين في بناء "الحزام وطريق"؛ كونها تقع في منطقة تلاقي لـ"الحزام" و"الطريق"، وتوجد بين الجانبين مزايا كثيرة للتكامل الاقتصادي، وإمكانات واعدة للتعاون، فقد أكد الرئيس الصيني شي جينبينغ في الجلسة الافتتاحية للدورة السادسة من الاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني-العربي، في حزيران (يونيو) الماضي، على أهمية تشارك الدول العربية في بناء "الحزام والطريق"، لدفع التنمية الصينية-العربية المشتركة بروح السلام والتعاون والانفتاح والتسامح والتعلم المتبادل والمنفعة المتبادلة والكسب المشترك التي تحملها طريق الحرير، وتُتوارث جيلا بعد جيل منذ آلاف السنين. إذ تأمل الصين في تعزيز التعاون مع الدول العربية في المجالات كافة؛ التقليدية والمستحدثة، وتقاسم ثمار التنمية وتحقيق الازدهار المشترك. ومن جانبها، تحرص الدول العربية على أن تقابل انفتاح الصين على غربها بـ"استراتيجية التوجه نحو الشرق"، وتوظف مزاياها النسبية، لإيجاد مزيد من الفرص والمجالات للتنمية، بما يأتي بفوائد ملموسة لشعبي الجانبين. ويمكن للجانبين الصيني والعربي التشارك في بناء "الحزام" و"الطريق". وإن مجالات التعاون ذات الأولوية هي:

أولا؛ توسيع التجارة والاستثمار بين الصين والعالم العربي، ووضع آليات وترتيبات مناسبة لتسهيل التجارة والاستثمار. ومن أجل تحقيق ذلك، يحرص الجانب الصيني على المشاركة في بناء "الممر الاقتصادي لقناة السويس" ومنطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري في مصر. ويأمل في استئناف المفاوضات بين الصين ومجلس التعاون الخليجي حول إنشاء منطقة التجارة الحرة، والتوصل إلى اتفاقية في وقت مبكر. كما يستعد لبحث إمكانات إنشاء مناطق التجارة الحرة مع الدول العربية الأخرى.

ثانيا؛ تعزيز التعاون الصيني-العربي في مجالات السكك الحديدية والطرق العامة والموانئ والطيران المدني والاتصالات وغيرها، بما يعزز الترابط على مستوى البنية التحتية. إن الصين مستعدة للمشاركة بما لها من القوة التكنولوجية القوية والخبرة الوافرة في مجال السكك الحديدية الفائقة السرعة، في بناء شبكة السكك الحديدية في شبه الجزيرة العربية، والمشاريع الأخرى ذات الطابع الاستراتيجي.

ثالثا؛ توسيع التعاون في مجالات جديدة، تشمل المالية والطاقة النووية والفضاء وغيرها، بما يرتقي بمستوى التعاون العملي الصيني-العربي. إن الجانب الصيني على استعداد للتباحث مع الجانب العربي بشأن التعاون في إقامة مشاريع في مجالات الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وصناعة وإطلاق الأقمار الصناعية، وغيرها، بالإضافة إلى التعاون في التبادل الفني وتدريب الأفراد في المجالات ذات الصلة.

رابعا؛ تعميق التعاون في مجال النفط والغاز الطبيعي من المجرى الأعلى إلى المجرى الأسفل، وتوسيع التعاون في مجال الطاقة المتجددة، وفي مقدمتها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بما يحقق الالتقاء بين خطط الجانبين طويلة المدى لتنمية الطاقة. وكذلك بذل جهود مشتركة لحماية الممرات الاستراتيجية للطاقة، بما يضمن الأمن في الإمداد والاستهلاك للطاقة على الساحة الدولية.

خامسا؛ توسيع التواصل في المجالات الثقافية والتعليمية والصحية والرياضية وغيرها من المجالات الإنسانية، وتعزيز التواصل والحوار بين مختلف الحضارات، وتعزيز الفهم المتبادل بين الشعب الصيني والشعوب العربية.

كقوة مهمة في الدول العربية، ظل الأردن واحة الأمن والاستقرار في منطقة ملتهبة. وهو يلعب دورا حاسما وفريدا على الساحتين الإقليمية والدولية، ما أكسبه احتراما واهتماما من قبل دول العالم، بما فيها الصين. وتشهد الآن العلاقات الصينية-الأردنية أفضل المراحل في تاريخها؛ إذ تتوثق روابط الصداقة والتعاون في شتى المجالات، بفضل الرعاية الشخصية لقيادة البلدين. إذ قام جلالة الملك عبدالله الثاني بأكثر من 10 زيارات للصين، كان آخرها في أيلول (سبتمبر) 2013، وتم التوصل إلى توافقات عديدة بينه وبين الرئيس الصيني شي جينبينغ حول الارتقاء الاستراتيجي بالعلاقات الصينية-الأردنية. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي، أنا أقترح كسفير الصين لدى عمان، أن يتمسك الأردن بهذه الفرصة التاريخية للتشارك في بناء "الحزام والطريق"، وأن يوظفها لصالحه، بفضل ميزتها الجغرافية الفريدة. ويمكن للحكومة الأردنية ومراكز الفكر ومختلف الأوساط في المملكة، القيام بدراسة معمقة حول مبادرة "الحزام والطريق"، حيث يجب إطلاق الإمكانات الكامنة الكبيرة للتعاون بين البلدين للتشارك في بنائه، والعمل بجهود مشتركة على وضع مخططات وإجراءات خاصة بدفع التعاون الثنائي، وتعزيز الاتصالات والمشاورات بين البلدين في تحديد دفعة من المشروعات التي تراعي المصالح الثنائية، والإسراع في بدء تنفيذ المشروعات التي تتوافق عليها الأطراف المختلفة وتتوفر فيها الشروط اللازمة، سعيا إلى تحقيق الثمار في وقت مبكر.

إن الأردن سيكون ضيف الشرف للمعرض الصيني-العربي الذي سيقام في منطقة نينغسياى في أيلول (سبتمبر) المقبل. وإنني على قناعة بأن المشاركة الفعالة من قبل القطاعات الأردنية المختلفة في هذا المعرض، سوف تساهم مساهمة كبيرة في الارتقاء بالتعاون الاقتصادي القائم بين الصين والأردن إلى مستوى جديد وآفاق رحبة. وطالما تتشارك الصين والأردن في بناء "الحزام والطريق" بنفس الإرادة، ويتقدمان في نفس الاتجاه، فإنهما يستطيعان بكل التأكيد تسجيل صفحات جديدة لعلاقات الصداقة والتعاون القائمة بين البلدين، لما فيه خدمة أفضل لمصالح للدولتين والشعبين.

أخبر صديقك
  إطبع هذه الورقة